بدأ بناء المدرسة خلال عهد الأرتقيين في القرن الثالث عشر، إلا أن غزوات المغول بقيادة تيمور تسببت في توقف أعمال البناء. وتشير العديد من المصادر إلى أن استكمال بنائها تم في أواخر القرن الخامس عشر، خلال حكم السلطان قاسم بن جهانكير من دولة آق قويونلو (1487-1507). ومع ذلك، فإن عدم وجود نقش تأسيسي على المبنى يجعل من الصعب تأكيد تاريخ اكتماله بدقة.
تقع مدرسة القاسمية في الجهة الجنوبية الغربية من مركز مدينة ماردين، على موقع يشرف على سهل بلاد ما بين النهرين. وتُعدّ من أروع نماذج فن العمارة الحجرية في ماردين، حيث تتزين بوابتها الرئيسية بزخارف نباتية وهندسية متداخلة في تكوين فني بديع.
تم تصميم المدرسة وفق مخطط يتألف من طابقين يحيطان بفناء مركزي ذي أروقة، وتضم ثلاثًا وعشرين غرفة، منها إحدى عشرة غرفة في الطابق السفلي، واثنتا عشرة غرفة في الطابق العلوي. عند مدخل البوابة الرئيسية، توجد غرفة المُدرّس الأول مقابل الرواق، بينما يقع المسجد، وهو من أكبر أقسام المبنى، في الجهة الجنوبية الغربية.
في الجهة الشمالية من الفناء، يوجد إيوان مزود بنافورة ماء (سلسـبيل)، ويتوسط الفناء حوض مربع الشكل تتدفق إليه المياه عبر نظام قنوات متصلة. أما في الركن الجنوبي الغربي من الفناء، فتوجد غرفة ذات قبة مضلعة يُعتقد أنها تضم ضريحي الأمير قاسم بيك وشقيقته.
يُلاحظ أن ارتفاع أبواب قاعات الدراسة لا يتجاوز المتر الواحد بقليل، ويُقال إن ذلك كان مقصودًا لكي ينحني الطالب عند دخوله مجلس العلم، تعبيرًا عن الاحترام لأستاذه. كما أن الرموز المنقوشة على الأبواب يُعتقد أنها تشير إلى العلوم التي كانت تُدرَّس في كل قاعة.
استمرت المدرسة في أداء دورها التعليمي حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك استُخدمت لفترة كمقر عسكري. وخلال فترة نشاطها الأكاديمي، لم تقتصر الدراسة فيها على العلوم الدينية فحسب، بل شملت أيضًا العلوم الطبيعية مثل الطب، الفلك، الرياضيات، والكيمياء.
وتشير المصادر إلى أن مدرسة القاسمية كانت في القرن السادس عشر من أغنى المؤسسات الوقفية في ماردين وأكثرها دخلًا. وبحسب بعض الروايات، فإن الأمير قاسم بن جهانكير قُتل في هذه المدرسة على يد عمه أوزون حسن، سلطان آق قويونلو. ويعتقد البعض أن آثار دمه لا تزال مرئية على جدران إيوان السلسـبيل. إلا أن الفحوصات العلمية، التي شملت اختبارات Kastle-Mayer, Adler, Luminol، بالإضافة إلى تحليل العينات بواسطة جهاز XRD، أثبتت أن هذه البقع ليست دماء، بل مادة صبغية ذات أصل نباتي.
موقع مدرسة القاسمية
يمكن الوصول إلى مدرسة القاسمية عبر الطريق المتجه نحو الجنوب الغربي لمدينة ماردين، حيث يتعين تجاوز ملعب المدينة، ثم الانعطاف يمينًا عند مرآب الإطفاء، ومتابعة السير لمسافة 250 مترًا.
تُعدّ المدرسة ساحة تطبيقية لطلاب الإرشاد السياحي في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا في كليتنا.